الإثنين الخامس بعد عيد ارتفاع الصليب «الإنجيل
إنجيل اليوم (لو 16/ 1-12)
1 قالَ الرَّبُّ يسوع لِتَلامِيذِهِ: "كانَ رَجُلٌ غَنِيٌّ لهُ وَكيل. فَوُشِيَ بِهِ إليهِ أنَّهُ يُبَدِّدُ مُقتَنَيَاتِهِ.
2 فَدَعَاهُ وقالَ لهُ: ما هذا الَّذي أسمَعُهُ عَنكَ؟ أَدَّ حِسَابَ وِكَالَتِكَ، فَلا يُمكِنُكَ بَعدَ اليَومِ أن تَكُونَ وَكِيلًا.
3 فقالَ الوَكيلُ في نَفسهِ: ماذا أفعل؟ لأنَّ سَيِّدي ينزعُ عَنِّي الوِكالة، وأنا لا أقوى على الفِلاحة، وأخجَلُ أن أستَعطِي!
4 قد عَرَفتُ ماذا أفعَل، حتَّى إذا عُزِلتُ مِنَ الوِكالةِ يَقبَلُنِي النَّاسُ في بُيُوتِهِم.
5 فَدَعَا مَديُوِني سَيِّدِهِ واحِدًا فَوَاحِدًا وَقالَ لِلأوَّل: كَم عَليكَ لِسَيِّدي؟
6 فقال: مئَةُ بَرميلٍ مِنَ الزَّيت. قَالَ لَهُ الوَكيل: إليكَ صَكَّك! اجلِس حَالًا واكتُبْ: خَمسِين.
7 ثمَّ قَالَ لآخَر: وأنتَ، كَم عَليكَ؟ فَقَال: مِئَةُ كِيسٍ مِنَ القَمح. فَقَالَ لَهُ الوَكيل: إليك صّكَكَ! واكتُبْ: ثَمَانِين.
8 فَمَدَحَ السَّيِّدُ الوَكيل الخَائِن، لأنَّهُ تَصَرَّفَ بِحِكمَة. فَإنَّ أبناءَ هذا الدَّهرِ أكثَرُ حِكمَةٍ من أبنَاءِ النُّورِ في تَعَامُلِهِم مَعَ جِيلِهِم.
9 وأنَا أقولُ لَكُم: اصنَعُوا لَكُم أصدِقَاءَ بِالمَالِ الخَائِن، حَتَّى، إذا نَفَذ، يَقبَلُكُمُ الأصدِقَاءُ في المَظَالِّ الأبَدِيَّة.
10 الأمِينُ في القَلِيلِ أمينٌ في الكَثِير. والخائِنُ في القَليلِ خَائِنٌ أيضًا في الكَثير.
11 إن لم تَكُونُوا أُمَنَاءَ في المَالِ الخَائِن، فَمَن يَأتَمِنُكُم على الخَيرِ الحَقِيقيّ؟
12 وإن لَم تَكُونُوا أُمَنَاءَ في مَا لَيسَ لَكُم، فَمَن يُعطِيكُم مَا هُوَ لَكُم؟".
أوّلًا: قراءتي للنَّصّ
أُعطيَ لنصّ إنجيل هذا اليوم، في "الترجمة اللِّتورجيّة"، عنوانان، الأوّل "مثل الوكيل الخائن" (1-8)، والثاني: "المال الخائن والخير والحقّ" (9-12)؛ يتفرّد لوقا بهذا النصّ بعنوانَيه؛ ويرد هذا النصّ، مع شرحه، في زمن العنصرة، الأسبوع الرابع عشر، يوم الأربعاء (1-8)، ويوم الخميس (9-12).
حول ما جاء تحت العنوان الأوّل (1-8)
يتكلّم المثل على رجل غنيّ لديه وكيل؛ تلّقى هذا الرجل وشايةً ضدّ وكيله، مفادها أنّه يبدّد المقتنيات...؛ فدعاه لتأدية الحساب، وللصَّرف من الوكالة؛ عندما انتهت المقابلة، رجع الوكيل إلى ذاته، ووعى المأزق الكبير الذي هو فيه بسبب صرفه، وتساءل: كيف يمكنني أن أتدبّر أموري بعد تنفيذ صرفي من الوكالة؟ فهل أؤمّن عيشي بعمل يدويّ (بالزراعة)، أم باللُّجوء إلى الآخَرين (بالاستعطاء)؟ لا قدرة لي على ذاك، ولا هذا لائق بي! إذًا، لا بدّ من طريقة للخروج من هذا المأزق؛ فوجد هذه الطريقة بحكمة وبعد التفكير، وهي: أدعو مديوني سيّدي الآن، وأحسم لكلٍّ منهم قسمًا من دَينه، فيصبح جميعهم أصدقائي، ويقبلونني، بعد عزلي، في بيوتهم!
يقول المثل إنّ الرجل الغنيّ مدح الوكيل الخائن، لأنّه تصرّف بحكمة؛ كيف تشرح هذا المديح للوكيل، الذي لا يزال النصّ يصفه، حتّى هنا في مجال المديح، بالخائن؟ وما هو الموضوع الحقيقيّ لهذا المديح؟ وهل هو تبرير للتصرّف كتصرّف (لأنّه تصرّف بحكمة)، أم هو تبرير للتصرّف بالحسومات التي تناولها (وهي بلا قاعدة على ما يظهر، إذ جاء الحسم 50% في الزيت، و20% في القمح)؟
على كلٍّ، نقول إنّ الرّبّ الذي يتوجّه بهذا المثل إلى تلاميذه، قد توخّى من وصف كيفيّة تصرّف الوكيل الخائن بحكمة، وباستنباط الوسائل المخرجة من المأزق، وهو من هذا الدهر، إعطاء تلاميذه، وهم من أبناء النور، قدوةً ومثالًا، لكي لا يأتي تصرّفهم في معاملاتهم مع جيلهم، بأقلّ حكمة وبراعة من تصرّف هذا الوكيل الخائن! وهذا ما يشير إليه ما جاء في "الترجمة اللِّيتورجيّة"، وهذا نصّه: مدح السيّد وكيله، لا على خيانته، بل على تصرّفه الحكيم ليخلص من مأزق صعب؛ على أبناء النور أن يتصرّفوا بحكمة أكثر من أبناء هذا الدهر في جيلهم.
وحَول ما جاء تحت العنوان الثاني (9-12)
ما نملكه من خيرات هذه الدنيا، أكان مالًا أو ما يثمَّن بمال، هو "خائن"، في ذاته، معنى أنّه ينفذ، ولا يغطّي بُعدنا الروحيّ؛ وهو "خائن" أيضًا، إذا ما أسأنا استعماله في هذه الحياة، فاستعنّا به للقيام بأعمال ظلم للآخرين، أو إذا لم نحسن استعماله، فنبذله في أعمال البرّ، التي نكتسب بها أصدقاء وشفعاء لنا عند الله، بل ونكتسب بها الله بالذات.
مطلوب منّا، إذًا، أن نكون أمناء في ما يُعطَى لنا في هذه الحياة الزمنيّة وهو ليس لنا، لأنّنا سوف نفقده عند فقدنا هذه الحياة بالموت، والمعبَّر عنه بالألفاظ التالية: "المال الخائن"، و"القليل"، و"ما ليس لنا"، كونه شرطًا لا بدّ منه لكي نؤتمن على "الكثير"، وعلى "ما هو لنا"، وعلى "الخير الحقيقيّ" في المظالّ الأبدّية.
وهذا ما جاء في "الترجمة اللِّيتورجيّة" ليس المال خائنًا، بل نحن خائنون باستعمالنا له، وعدم التخلّي عنه لربح أصدقاء: إنّه عطيّة من الله لكلّ محتاج؛ فالله نفسه يكون مديونًا لمن يسعف فقيرًا بما هو ملك الله وحده.
لمزيد من التوضيح، نورد هنا أفكارًا وأقوالًا اقتبسناها ممّا جاء حول هذا الموضوع في "سلسلة التنشئة المسيحيّة" (7)، لسيادة المطران بشارة الراعي (ص 72-74).
تعريف الفطنة أو الحكمة
هي امتلاك المبادئ العامّة، وتطبيقها على الحالات الخاصّة في الواقع؛ هي أن تعرف وتفهم. نُقِلَ عن الرئيس كليمانسو قوله عن وزيرَين في حكومته: "هذا يعرف كلّ شيء، ولكنّه لا يفهم شيئًا؛ وذاك لا يعرف شيئًا، ولكنّه يفهم كلّ شيء!"
أقوال حكميّة
كانت القدّيسة تريزا دافيلاّ (+1581)، ملفانة الكنيسة، تردّد: "تريزا وحدها تساوي لا شيء؛ تريزا والمال، أقلّ من لا شيء؛ تريزا والمال والله، كلّ شيء".
عندما سُئِلَ، مرّةً، القديس برنردوس (+1153) عَمَّن هو الأفضل للباباويّة، من بين كرادلة ثلاثة مرشَّحين لها، واحدهم قدّيس، وثانيهم مثقَّف، وثالثهم فطن، أجاب: "القدّيس، فليصلِّ من أجلنا نحن الخطأة المساكين؛ والمثقَّف، فليعلّمْنا ويكتبْ لنا الكتب؛ والفطن، صاحب الحسّ العمليّ، فليحكمْنا ويصبحْ بابا".
ثانيًا: "قراءة رعائيّة"
إذا ربطنا هذا المثل مع (15/ 1-2)، نفهم أنّنا أمام أكثر من نظرة أخلاقيّة حول اللَّباقة والسرعة في أخذ القرار، كما فعل هذا الوكيل، ونقبل أن يشبَّه الله حتّى بقاضٍ غير عادل (18/ 1-8).
وهناك أيضًا خطّ آخر يعتبر أنّ هذا الوكيل "المبذّر"، لا "الخائن"، هو يسوع المسيح، الذي يهتمّ بالمديونين (الخطأة)، فيعاملهم بالرحمة مرّة أولى ومرّة ثانية، ويكسب صداقتهم، فيستقبلونه في قلوبهم بعد أن رحمهم وعفاهم من دَينهم (4).
إذن، السيّد هو الله؛ وكيل الخائن، حرفيًّا: "وكيله اللاّبِرّ"، هو يسوع المسيح الذي لا يمتلك برّ الكتبة والفرّيسيّين؛ نحن إذن، أمام فطنة يسوع وحكمته، وعلى أبناء النور، أي المؤمنين، أن يتصرّفوا مثله.
الآية (9)
المال، حرفيًّا: مأمون، أي ما هو أمين وثابت؛ غير أنّه، في الواقع، غشّاش؛ لكنّه يصبح صديقًا إذا أعطيناه، فيستقبلنا الفقراء على باب الملكوت.
الآية (10)
"الخائن في القليل"، أي مَن أساء الأمانة؛ حرفيًّا: مَن كان لا بارًّا.
الأب توما مهنّا